أمراض الغدد: أسبابها، أعراضها، وتشخيصها
تُعد الغدد جزءاً أساسياً في جهاز الجسم البشري، حيث تلعب دوراً حيوياً في تنظيم الوظائف البيولوجية عبر إفراز الهرمونات. هذه الغدد تتوزع في أنحاء الجسم وتقوم بتنظيم العديد من العمليات الحيوية مثل النمو، والتمثيل الغذائي، والتكاثر، وتنظيم الاستجابة للجهاز العصبي. ومع ذلك، يمكن أن تتعرض هذه الغدد لعدة اضطرابات تؤدي إلى مجموعة من الأمراض التي تؤثر على صحة الإنسان بشكل عام. هذه المقالة تتناول أمراض الغدد، أسبابها، أعراضها، طرق التشخيص، وآلية العلاج المتبعة لها.
ما هي الغدد؟
الغدد هي خلايا أو مجموعة خلايا متخصصة في إفراز المواد الكيميائية مثل الهرمونات. هذه الهرمونات تُفرز مباشرة إلى مجرى الدم أو في بعض الأحيان إلى تجويفات الجسم. تقسم الغدد إلى نوعين رئيسيين: الغدد الصماء والغدد الإفرازية. الغدد الصماء هي تلك التي تفرز هرموناتها مباشرة إلى الدم، مثل الغدة الدرقية والغدة النخامية والغدد الكظرية. أما الغدد الإفرازية فهي تفرز مواد إلى أماكن معينة، مثل الغدد اللعابية والغدد العرقية.
أنواع أمراض الغدد
تتنوع أمراض الغدد حسب الغدة المصابة، وقد تكون هذه الأمراض مرتبطة بفرط النشاط أو انخفاضه. سنستعرض أبرز هذه الأمراض في ما يلي:
1. أمراض الغدة الدرقية
الغدة الدرقية هي واحدة من أهم الغدد الصماء في الجسم، حيث تقع في منطقة الرقبة وتفرز هرمونات تُعرف باسم هرمونات الغدة الدرقية (T3 وT4). هذه الهرمونات تلعب دوراً مهماً في تنظيم سرعة عملية الأيض.
-
فرط نشاط الغدة الدرقية (Hyperthyroidism): يحدث هذا عندما تفرز الغدة الدرقية هرمونات بشكل مفرط. يؤثر هذا المرض على العديد من أجهزة الجسم ويسبب تسارعاً في عمليات الأيض. الأعراض تشمل فقدان الوزن غير المبرر، وزيادة معدل ضربات القلب، والتعرق الزائد، والقلق.
-
قصور نشاط الغدة الدرقية (Hypothyroidism): يحدث عندما لا تفرز الغدة الدرقية ما يكفي من الهرمونات. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تباطؤ عمليات الأيض مما يسبب زيادة الوزن، والكسل، والاكتئاب، وجفاف الجلد.
2. أمراض الغدة الكظرية
تقع الغدد الكظرية فوق الكليتين، وتفرز هرمونات مثل الكورتيزول والأدرينالين. تلعب هذه الغدد دوراً مهماً في الاستجابة للضغط النفسي وتنظيم توازن الماء والملح في الجسم.
-
مرض أديسون (Addison’s Disease): يحدث عندما تتوقف الغدد الكظرية عن إفراز الكميات الكافية من الكورتيزول. الأعراض تشمل الإرهاق، وفقدان الوزن، وانخفاض ضغط الدم، وتغير لون الجلد.
-
فرط النشاط الكظري (Cushing’s Syndrome): يحدث عندما يتم إفراز الكورتيزول بشكل مفرط، مما يؤدي إلى زيادة الوزن، وتراكم الدهون في منطقة البطن والوجه، وظهور علامات تمدد على الجلد، وضعف العضلات.
3. أمراض الغدة النخامية
الغدة النخامية هي غدة صغيرة تقع في الدماغ وتعتبر “الغدة المسيطرة” لأنها تنظم عمل العديد من الغدد الصماء الأخرى. يطلق عليها أحياناً “غدة الأسياد” لكونها تتحكم في إفراز الهرمونات من الغدد الأخرى.
-
فرط البرولاكتين (Hyperprolactinemia): يحدث عندما تفرز الغدة النخامية كمية مفرطة من هرمون البرولاكتين. يؤدي ذلك إلى مشاكل في الدورة الشهرية لدى النساء وخلل في القدرة على الإنجاب، بالإضافة إلى إفراز الحليب في غير الحوامل.
-
قصر القامة (Dwarfism): يحدث عندما لا تفرز الغدة النخامية كمية كافية من هرمون النمو. هذا يؤدي إلى انخفاض ملحوظ في نمو الأطفال مقارنة بأقرانهم.
4. أمراض الغدد التناسلية
الغدد التناسلية تشمل المبايض في النساء والخصيتين في الرجال، وتفرز الهرمونات الجنسية مثل الاستروجين والتستوستيرون.
-
متلازمة المبيض المتعدد الكيسات (PCOS): هي اضطراب هرموني شائع يؤثر على النساء في سن الإنجاب. يتميز بتضخم المبايض ووجود أكياس صغيرة بداخلها. الأعراض تشمل اضطرابات الدورة الشهرية، والعقم، وزيادة الوزن، وزيادة في الشعرانية (نمو الشعر الزائد في أماكن غير معتادة).
-
نقص التستوستيرون: عند الرجال، نقص هرمون التستوستيرون قد يؤدي إلى انخفاض الرغبة الجنسية، وفقدان العضلات، وزيادة الدهون في الجسم، وقد يعاني البعض من ضعف العظام (هشاشة العظام).
5. أمراض الغدة الجار درقية
الغدة الجار درقية هي غدد صغيرة تقع خلف الغدة الدرقية. تتولى هذه الغدد تنظيم مستوى الكالسيوم في الدم.
-
فرط نشاط الغدة الجار درقية (Hyperparathyroidism): يحدث عندما تفرز الغدد الجار درقية الكثير من الهرمونات المسؤولة عن تنظيم مستوى الكالسيوم في الدم، مما يؤدي إلى زيادة مستويات الكالسيوم في الدم. الأعراض تشمل آلام العظام، وزيادة خطر الكسور، والحصى الكلوية.
-
قصور نشاط الغدة الجار درقية (Hypoparathyroidism): يحدث عندما لا تفرز الغدد الجار درقية ما يكفي من الهرمونات، مما يؤدي إلى انخفاض مستويات الكالسيوم في الدم. الأعراض تشمل التشنجات العضلية، والتنميل، ومشاكل في نبضات القلب.
أسباب أمراض الغدد
تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى حدوث اضطرابات في الغدد، ويمكن تصنيف هذه الأسباب إلى ما يلي:
-
العوامل الوراثية: بعض أمراض الغدد، مثل مرض أديسون أو متلازمة المبيض المتعدد الكيسات، قد تكون موروثة.
-
الالتهابات: بعض الأمراض المناعية أو الفيروسات قد تؤثر على الغدد وتؤدي إلى خلل في وظائفها.
-
التعرض للمواد السامة أو الإشعاع: قد يتسبب التعرض لبعض المواد السامة أو العلاج بالإشعاع في تعطيل وظائف الغدد.
-
الشيخوخة: مع تقدم العمر، يمكن أن تتغير وظيفة العديد من الغدد مثل الغدة الدرقية والغدد التناسلية، مما يؤدي إلى أمراض مرتبطة بالعمر.
-
أدوية وعلاجات طبية: بعض الأدوية قد تؤدي إلى فرط أو نقص في إفراز الهرمونات من الغدد. على سبيل المثال، يمكن أن تسبب الأدوية المستخدمة لعلاج السرطان تغييرات في وظيفة الغدد.
تشخيص أمراض الغدد
يتم تشخيص أمراض الغدد عبر مجموعة من الفحوصات والتحاليل، من أهمها:
-
التحاليل المخبرية: تقاس مستويات الهرمونات في الدم أو البول لتحديد ما إذا كانت الغدد تفرز كميات طبيعية من الهرمونات أم لا.
-
الأشعة السينية أو التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI): تستخدم لتحديد إذا كانت هناك أي تكتلات أو أورام في الغدد مثل الغدة النخامية أو الغدة الكظرية.
-
الفحص السريري: يعتمد الأطباء في بعض الحالات على الأعراض الظاهرة على المريض والفحص البدني لتحديد التشخيص.
علاج أمراض الغدد
تعتمد طرق علاج أمراض الغدد على نوع المرض وشدته، وقد تشمل:
-
الأدوية: في حالات فرط أو نقص نشاط الغدد، قد يُوصي الأطباء باستخدام أدوية تساعد في ضبط مستويات الهرمونات.
-
الجراحة: في حالة وجود أورام أو تكتلات في الغدد، قد يكون العلاج الجراحي هو الحل الأمثل لإزالة هذه الأورام.
-
العلاج الإشعاعي: في بعض الحالات، خاصة مع السرطان، قد يتم استخدام العلاج الإشعاعي لتقليص الأورام.
-
العلاج الهرموني: في حالة نقص الهرمونات، مثل نقص التستوستيرون أو هرمونات الغدة الدرقية، قد يوصي الأطباء بالعلاج الهرموني التعويضي لتعويض النقص.
الخاتمة
تعتبر أمراض الغدد من الأمراض التي قد تؤثر بشكل كبير على صحة الإنسان. من خلال التشخيص المبكر والعلاج المناسب، يمكن التخفيف من تأثير هذه الأمراض وتحسين نوعية الحياة للأشخاص المصابين بها.
